وضعوه على شريط القطار بعدما أصيب بالشلل .. فصرخ من أعماقه : ياآرب !!
بكى هشام كثيراً بكى وبكى ، تذكرهشام قصة صديقه يونُس ، يونُس الذي كان بعيداً عن شاطئ الإيمان
تناديه
الصلاة فما يجيب ؛كان مغتراُ فرحاُ بقوته ،يذهب للشاطئ ليصطاد السمك
ويتاجُر فيه ،وربما حانت صلاة الجمعة والخطيب على المنبر يخطب، و يونُس لا يُبالي ،
كم آيةٍ طرقت سمعه فمتعه!!
كم قصةٍ وصلت إليه فما استفاد !!
كم من حديثٍ من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قُُرأعليه فما خشع قلبه!!!
حتى جاء ذلك اليوم!!! .
خرج من بيته فجراً ، كان الناس يُصلون صلاة الفجر جماعة و يونُس يعد شبكته وسنارة الصيد ،
ثم بدأ يمشي على قدميه تجاه الشاطئ ، حتى يبدأ بالصيد مع طلوع الفجر ، كان يعبر الشارع وفي
عقله الكثير من الأحلام والأمنيات، وفي جوفه الكثير من الآمال،
وفجأةًإذ بسيارةٍ مسرعةٍ يقودُها مجموعةٌ من الشباب العصاة ، تصطدم بيونُس ليسقُطَ سريعاً على الأرض، يسقط بلا حراكٍ والدماءُ تتناثر منه من كل مكانٍ في جسده ،
نزل إليه هؤلاء الشباب، قلبوا يونُس يميناً وشمالاً فلم يتحرك ، ظنوا أنه قد مات ، كان يونُس قد أصيب بشلل كامل !!
يا سبحان الله!!
ذلك الجسد القوي الذي كان متكبراً متغطرساً على الله، نعم شللٌ كاملٌ!!
أما هؤلاء الشباب فقالوا مادام أن رجل قد مات
فليس هنالك حلاً إلا أنه نحمله ونضعه على قضيب القطار الذي يمر عليه فجراً
،وسوف يدوسه القطار دون علم أحدٍ ،
حملوا يونُس وضعوه في مؤخرة السيارة كما توضع الذبيحة ، سبحان الله !! ما أهون العاصي على الله !!
كان يتمنى أن يصرخ بكل ما أُوتي من قوةٍ لكنه لا يستطيع ، هو الآن مشلول !!
حملوا يونُس وضعوه على القضيب الحديدي الذي يمر عليه القطار ، تركوه وانصرفوا وبدأت اللحظات تمر على يونُس بصعوبةٍ كبيرةٍ ، هاهو يترامي إلى سمعه من بعيدٍ صوت القطار القادم
يا سبحان الله بعد هذا العمر!!، بعد هذه الأمنيات!! ،بعد هذه الأحلام أين أنت!!أموت ولا أحد يعلم عني شيئاً !!
مرت أمام عينيه صور عديدة :
السيجارة التي كان ينبعث دخانها بشراهة
المؤذن يناديه من المسجد المجاور و لا يجيب نداء الله
صورة السمك وهو يتلاعب بين شبكته
صورة الناس وهم يخرجون من المسجد من صلاة التروايح في رمضان وهو لا يبالي
صورة المصحف الذي كان يضعه للزينة فوق الرف في صالة المنزل،
يآربآه،يآ ربآه ،كم أنا مقصر في حقك !!
ياترى ماكاذا كان يدور في بال يونُس الآن ، هو الآن يبحث عن ذرة أمل في النجا ة ،في أن يعود للحياة ،
يقول يونُس في تلك اللحظة في الذات صرخت أعماقي
يآآآرب يآآآرب
أنت تسمع الآن جوفي
نت الآن تسمع دقات قلبي
نظرة شفقة إلي يارب
نظرة عطف إلي يارب
]لحظة إحسان واحدةٍ يارب
أعاهدك ياربي أن أعودك إليك إذ أنت أنقذتني
عاهدك أن لا أعصيك
أعاهدك أن لا أغضبك
يامن يصل المنقطعين أوصلني إليك
كل شئ في داخل يونُس كا ن مشلولا ، تذكر نظرات الشباب المتوحشة وهم يقولون الحمد لله لقد مات، علينا أن نضعه على قضيب القطار
ومن بعيد أقترب القطار أكثر وأكثر ،وبدأ صوته يصل إلى أذن يونُس وهنا سالت دموع يونُس بكى بقوة بكى وبكى ،
كل شيء فيه محطم ،والدماء تنزف منه بقوة وغزارة ،يا إلهي يا إلهي!!
واستجاب الله في تلك اللحظة ، لقد أرجع الله ليونُس قدرته على تحرك الأحبال الصوتية في حلقه ليقول لمدة عشرة ثوانٍ فقطآه آه آه ،
وفي مزرعة قريبة تناهي إلى سمع ذلك المزراع تلك الآهات ، وأسرع ليرى جسد يونُس ملقى على القضيب الحديدي
وفجأةً إذ يونُس يرى الفلاح يحمله و يبعده عن القضيب الحديدي قبل أن يمر القطار بدويه المعروف للحظات يسيرة ،لم يتمالك يونُس نفسه كانت الدموع تشق طريقها على خده ،
والله يا شباب الإسلام والله يا فتيات الإسلام ، يُحدثني من قابل يونُس بنفسه يقول: يونُس ثمانية أشهرٍ كاملة في المستشفى على السرير الأبيض ينتظر الشفاء ،
كانت دعوات قلبه لا تتوقف ، ودموع عينيه لا تجف ، ليس بحثاً عن الشفاء فقط ،
بل شكراً للملك القادر سبحانه وتعالى ، وبعدها خرج يونُس إلى الحياة مرةً أخرى بصورةٍ مختلفةٍ وصوتٍ مختلفٍ ومشاعرٍ مختلفةٍ
لقد استنار الوجه بالإيمان ، لقد مُلأ القلب بمحبة الرحمن ،لقد وجد يونُس بُغيته في القرب من الله سبحانه وتعالى ،
وجهه أصبحت اللحية تُجمله ، صوته أصبح الذكر يُحسنه ، مشاعره أصبحت الجنات وحور العين والأنهار تملؤها
تفريغاً لمقطع صوتي لفضيلة الشيخ محمد الصاوي